درس الواجب مجزوءة IV: الأخلاق حصري على أحلى باك




مجزوءة IV: الأخلاق
1- الواجب


تقديم المجزوءة الرابعة
كون الإنسان ذاتا فاعلة لا يجعله يتميز عن غيره من الكائنات إلا بالقدر الذي يكون فعله قائما على القصدية والتوجيه، أي في المدى الذي تُحدِّده مقاصد وغايات يتوجه بحسبها في قيامه بأفعاله. وهذا بالضبط ما يجعله ذاتا أخلاقية. إذ تتناول "الأخلاق" الفعل الإنساني من حيث إنه يقوم على مُحدِّدات مَقصِدية أو غائية بخلاف الفعل الغريزي أو الآلي الذي يصدر عن نوع من الضرورة الطبيعية أو الصناعية. ومن هنا، تُطرح مسألة الإلزام والإكراه المُحرِّكـ للفعل الإنساني (أي "الواجب الأخلاقي") في علاقته بـ"الإرادة" و"الاختيار" (أي "الحرية") وغايات الحياة التي قد تكون نوعا من أنواع "الخير" أو "الفضيلة" أو "الشعور بالرضى" (أي "السعادة").
     
المفهوم الأول: الواجب
- تقديم مفهوم الواجب
يتحدد الفعل الإنساني بأنه فعل أخلاقي قاصد ومُسَدَّد، من حيث إنه مبني على نوع من "الوعي" الذي يجعل الإنسان يأتي أفعاله ليس من منطلق الدافع الغريزي أو الرغبة العفوية، وإنما بناء على التمييز بين الوسائل والغايات بالنسبة إلى نوع من المقاصد الصالحة التي تُوجِب عليه أن يسلكـ بكيفية معينة دون غيرها. من هنا يُطرح موضوع "الواجب" كمجال يتعلق بالفعل الإنساني في تميزه عن الفعل الحيواني والآلي وفي ارتباطه بمختلف حاجات الحياة الإنسانية ؛ وذلكـ في المدى الذي يُعَدُّ "الواجب" قائما على نوع من الإكراه أو الإلزام الذي ينبغي تحديد طبيعته وأسبابه وآثاره.
  
- الوضعية-المشكلة
كثيرا ما يقوم الإنسان بأفعاله من منطلق أنه لا يفعل شيئا آخر سوى أنه يقوم بما يجب عليه فعله. وهذا ما يُسمى "الواجب" (le devoir, Duty) الذي قد يكون أخلاقيا أو قانونيا أو وطنيا أو مِهْنيا. فكيف يتحدد "الواجب" في طبيعته الخاصة التي تجعله يقود الشخص إلى إنجاز أفعاله؟ ما علاقته بـ"الإرادة" و"الوعي"؟ هل الإكراه الموجود في الواجب قائم على التزام داخلي/ذاتي أم أنه يرجع إلى سلطة خارجية هي التي تُلزِم الإرادة بالفعل؟ كيف يتحدد الوعي الأخلاقي في علاقته بـ"الضمير" و"المجتمع"؟ هل يدل "الواجب" على نداء الضمير الإنساني في تميزه وسُمُوِّه أم أنه ليس سوى انعكاس محدد وخاص لضرورة الوجود الاجتماعي بكل شروطه وإكراهاته؟

1- الواجب والإكراه
- تحديد الإطار الإشكالي: هل يصدر "الواجب" عن إرادة فاعلة وحرة أم أنه فِعلٌ تحكمه الضرورة والإكراه؟ 
- مفاصل المعالجة:
يرى دافيد هيوم (1711-1776 [David Hume]) أن الواجبات الأخلاقية تنقسم إلى نوعين: نوع أول يُمثِّل كل الواجبات التي تدفع إليها الغريزة الطبيعية أو الميل المباشر، وهو نوع لا يبدو فيه أي شعور بالإلزام أو أي اعتبار لمنفعة عامة أو خاصة (مثلا: حب الأطفال، شكر المُحسنين، العطف على المُعوِزين) ؛ ونوع ثانٍ يصدر فيه الواجب عن إلزام يرتبط بضرورات المجتمع البشري، حيث إن التخلي عنه تترتب عنه استحالة استمرار الحياة الاجتماعية للإنسان (مثلا: العدالة كاحترام لملكية الآخرين، والإخلاص كاحترام للوعود). وهكذا، فالإكراه الموجود في "الواجب" يرجع إما إلى ضرورة طبيعية (غريزية) وإما إلى ضرورة اجتماعية (عقلية).   
لكن كانط (1724-1804 [Kant]) يؤكد أن أساس "الواجب" يتمثل في "الإرادة الخيرة" (أو "الإرادة الطيبة") التي تتميز بنوع من "الاستقلال الذاتي" (l’autonomie) الذي يجعلها قدرة على التشريع لنفسها بعيدا عن كل الإكراهات الخارجية. فالإنسان ذات واعية وعاقلة على نحو يُمَكِّنه من أن يأتي أفعاله على أساس "الإرادة"، كإرادة مستقلة وحرة لها القدرة على وضع وإصدار الأوامر التي تدفع إلى الفعل. وهذا ما يُسميه كانط "الأمر المطلق" (l’impératif catégorique) باعتباره أمرا تُلْقِي به الذات إلى نفسها كأمر غير مقيد وغير مشروط بأي رغبة أو غرض، حيث إن الذات تتلقاه من نفسها فتنهض للقيام بالواجب بدافع الفضيلة في تجردها وتنزهها عن كل الغايات، اللهم إلا الفضيلة كغاية في ذاتها.    
ويذهب إميل دوركايم (1858-1917 [Emile Durkheim]) إلى أن "الواجب الأخلاقي" يتسم بصفتين أساسيتين: فهو ذو طابع إلزامي (obligatoire)، كما أنه يُعتبر في الوقت نفسه مرغوبا فيه (désirable) كشيء خَيِّر أو طَيِّب. فالإنسان لا يستطيع أن يقوم بعمل ما فقط لأنه مطلوب منه فعلُه أو مأمور به، بل إنه «من المستحيل نفسيا أن نسعى نحو تحقيق هدف نجد في نفوسنا فُتُورًا تجاهه، بحيث لا يبدو لنا خَيِّرا أو طَيِّبا، أو لا يُحركـ فينا أي إحساس». لذا فإن "الواجب الأخلاقي" ليس فقط شيئا مُلْزِما، وإنما هو أيضا شيء مرغوب فيه. وكلتا الصفتين ترجعان إلى كون "الواجب" يستند إلى المجتمع كسلطة أخلاقية تتعالى على إرادات الأفراد، حيث إن القيم الأخلاقية تُعَدُّ قيما حضارية وثقافية، وكل من الحضارة والثقافة يُشكِّل نظاما اجتماعيا وتاريخيا يتجاوز الإرادة الفردية. ومن حيث إن الأفراد يجدون أنفسهم قد خضعوا لـ"التنشئة الاجتماعية" (la socialisation)، كعملية تسهر على نقل القيم الحضارية والثقافية القائمة في المجتمع الذي يكونون أعضاء فيه، فإنهم يجدون أنفسهم وقد تلقوا داخلهم تلكـ القيم على شكل معايير أخلاقية تُحدِّد ما هو خير وما هو واجب، على نحو يجعلهم يقومون بـ"الواجب" بدافع من الإلزام الذي تمثله سلطة المجتمع وبدافع من "المرغوبية" التي تُميِّز القيم الأخلاقية كقيم تُكوِّن هوية الأفراد كأعضاء تَتِمُّ تربيتُهم ضمن ثقافة معينة. وهكذا، فإن دوركايم يرى أن الأمر الأخلاقي عند كنط في قطعيته وإطلاقيته ليس سوى مظهر من مظاهر الواقع الأخلاقي الذي يتصف في آن واحد بـ"الإلزامية" و"المرغوبية" بفعل كونه خاضعا للمجتمع كسلطة أخلاقية تفرض نفسها على ذوات الأفراد.
- تركيب واستنتاج
يبدو "الواجب" كشيء يفرض نفسه على الذات بما هو خير. وإذا كان هناكـ من يرى في إلزامية الواجب تعبيرا عن "الإرادة الخيرة" التي تُميِّز الإنسان كذات واعية وحرة، فإن هناكـ من يُؤكد أن "الواجب" مرتبط بضرورة طبيعية أو اجتماعية هي التي تجعله إلزاما أو إكراها، بل إنه يكون أيضا محط رغبة، لأنه يرتبط بالخير والفضيلة اللذين تنقاد إليهما النفس على نحو تلقائي وعادي، بدافع من عملية التربية التي تُرسِّخ قيم المجتمع والثقافة داخل الذوات الفردية.
    
2- الوعي الأخلاقي
- تحديد الإطار الإشكالي: ما علاقة "الواجب" بـ"الوعي الأخلاقي"؟ هل يقوم "الواجب" على "الوعي الأخلاقي" كضمير أو حس ذاتي وداخلي أم أنه يقوم على مُحدِّدات خارجية وموضوعية متصلة بالواقع الاجتماعي؟
- مفاصل المعالجة
يرى مِسكويه (320-421 هـ) أن "الخُلُق" حَالٌ للنفس تدعوها إلى القيام بأفعالها من دون تأمل أو تفكر، مما يؤكد صلة الأخلاق بالممارسة العملية. والخُلُق، كحالة نفسية، نوعان: "طبع" أو "مزاج" يُعَدُّ ميلا أو نزوعا طبيعيا إلى الفعل ؛ و"عادة" تقوم على التأديب والتدريب حتى تصير مَلَكَة راسخة في النفس فتكون "طبيعة ثانية". ومن المؤكد أن الأخلاق ليست طبيعية بإطلاق وليست غير طبيعية (أو اجتماعية) بإطلاق. فالإنسان نفس ناطقة/عاقلة وقابلة للتأديب والتربية، مما يجعل أفعاله موضوعا للاكتمال والتهذيب من خلال السياسة والتربية. ومن هنا، يأتي تفاوت مراتب الناس في الأخلاق، ليس فقط بفعل اختلاف طِبَاعهم، وإنما أيضا بحسب اختلاف عاداتهم من جهة مدى خضوعهم للتأديب والتقويم الذي ينقلهم من حال الهمج المُهملين إلى حال أُناس تم ترويضهم حتى صاروا فضلاء وأخيارا.    
وفي الفترة الحديثة، يذهب فرانز برونتانو (1838-1917 [Franz Brentano]) إلى أن الإنسان، بما هو كائن حي يعيش ضمن مجتمع، يتلقى التربية من خلال مرافقته للآخرين، على نحو يجعله يُواجِه دائما أوامر تَحُثُّه على القيام بأفعال معينة، مما يُؤدي إلى نشوء علاقة وثيقة بين نمط معين من الفعل وفكرة الالتزام كما تتجسد في "الواجب الأخلاقي". وهكذا فإن "الوعي الأخلاقي" ليس سوى تَمَثُّل أو استيعاب للقوة التي تتحكم في المجتمع الذي يعيش فيه الأفراد والذي يتجاوزهم بما هم أفراد بحيث يكون قوة مُلْزِمة لهم على مستوى أفعالهم التي تصبح صادرة عن قواعد يُمليها عليهم "الوعي الأخلاقي" كسلطة تفرض نفسها بنفس القوة أو الضرورة التي تُميز الأشياء الطبيعية أو الاستنتاجات المنطقية. 
ومن جهة أخرى، يؤكد سيغموند فرويد (1856-1938 [Sigmund Freud]) أن "الوعي الأخلاقي"، بما هو قوة دافعة أو سلطة آمرة وناهية، يُعتبر وظيفة من وظائف الجهاز النفسي للإنسان في ارتباطه وتفاعله، على نحو متوتر ومتناقض، مع الواقع الخارجي (الطبيعي والاجتماعي معا). فـ"الأنا الأعلى" هيئةٌ نفسيةٌ تُمَارس الرقابة على أفعال ومقاصد "الأنا"، من حيث إنه يمثل مجموع القيم والمعايير المتعلقة بثقافة معينة ضمن مجتمع معين، وذلكـ في المدى الذي تنتقل إلى الأفراد عبر التنشئة والتربية فيتمثلونها داخل أنفسهم على نحو يجعلها معايير أخلاقية (غير خاضعة للوعي في غالب الأحيان) تتحكم في سلوكهم وتُعَبِّر عن "ضمير أخلاقي" يتجلى في الوظيفة النفسية لـ"الأنا الأعلى" كهيئة مُكَوِّنة للبنية النفسية إلى جانب "الهو" و"الأنا".    
ومن ثم، فإن هانز كيتشتاينر ([Heinz Kittsteiner]) يؤكد أن "الوعي الأخلاقي"، في ارتباطه بالواقع الاجتماعي، يُعَدُّ وعيا تاريخيا يتعلق بالطريقة التي يُؤَطِّر بها مجتمع ما أفراده تربويا، وهي طريقة خاضعة للإصلاح والتطوير. لذا فإن "الوعي الأخلاقي" له تاريخ يكشف عن تَكوُّنه وتطوره، خصوصا في العصر الحديث. فأخلاق الواجب، كما بناها كنط (أوامر قطعية ومطلقة)، لا يمكن فهمها إلا من خلال تاريخ الإصلاح الديني في نهاية عصر النهضة وقيام الطبقة البورجوازية بأوروبا، حيث تم الانتقال من تبرير الأفعال أمام السلطة الخارجية والمتعالية (الإلاهية أو الأبوية) إلى المسؤولية الشخصية عن الأفعال كمسؤولية تتحدد اجتماعيا وتاريخيا، مما يُؤكِّد أن "الوعي الأخلاقي" جزء لا يتجزأ من بنية وعي اجتماعي وتاريخي يتسم بالانفتاح والتطور، ومن ثم التغير والنسبية.  
 - تركيب واستنتاج
يُنْظَرُ إلى "الوعي الأخلاقي" كما لو كان قائما في صورة ضمير باطني وفردي يتحدد بصفة كونية، متعالية ومطلقة على نحو يجعل "الواجب الأخلاقي" يقوم على ما هو داخلي وذاتي. لكن كون الأفراد أعضاءً في مجتمع وضمن ثقافة معينة يقتضي أن يُعتبر "الوعي الأخلاقي" كنتاج مُحَدَّدٍ موضوعيا في تكوُّنه واشتغاله بالشروط الاجتماعية والتاريخية التي تتحكم في الفاعلية الإنسانية كفاعلية أخلاقية غير ممكنة إلا في إطار نظام اجتماعي وثقافي هو الذي يجعل للناس مصلحة ذاتية في السلوكـ الأخلاقي في صدوره عن الإحساس بـ"الواجب" كتعبير عن مجموع القيم السارية في وسط اجتماعي وثقافي معين.
   
3- الواجب والمجتمع
- تحديد الإطار الإشكالي: ما علاقة "الواجب" بالمجتمع؟ هل "الواجب" قائم على الضمير الفردي في وحدته واستقلاله أم أنه مرتبط بالمجتمع في خضوعه للتعدد والتغير؟
- مفاصل المعالجة
يرى هنري برغسون (1859-1941 [Henri Bergson]) أن "الواجب" كسلطة إلزامية يرتبط بِتَعوُّد الاستماع للآباء والمعلمين الذين لا يصدرون في أوامرهم عن أنفسهم وإنما عن سلطة المجتمع التي ينوبون عنها والتي تُعطي لوضعيتهم قوة الإلزام. وأهمية المجتمع الأخلاقية شبيهةٌ بالجهاز العضوي الذي ترتبط خلاياه على نحو ضروري وتراتبي يُمَكِّن من استمرار الكائن الحي. فالمجتمع في قيامه على إرادات منتظمة بواسطة الواجب الأخلاقي تلعب فيه العادة دور الضرورة التي تخضع لها الكائنات الطبيعية، وذلكـ بشكل يجعل الحياة الاجتماعية تبدو كنسق من العادات الراسخة التي تستجيب بالضرورة لحاجات الجماعة، مما يجعل الأخلاق وثيقة الصلة بعادات الناس في مجتمعاتهم الخاصة.
وفي نفس السياق، يؤكد إنغلز (1820-1890 [Friedrich Engels]) أن ارتباط القيم الأخلاقية بالتطور الاقتصادي والاجتماعي، يؤدي إلى النظر إلى "الواجب الأخلاقي" ليس كقانون كلي وخالد يعلو على التاريخ والمجتمع، وإنما إلى اعتباره تجسيدا لنظام أخلاقي مرتبط بالصراع الطبقي في المجتمع وعبر التاريخ، حيث إن الأخلاق ليست سوى تبرير لمصالح الطبقة المسيطرة، كما أنها قد تكون أخلاق طبقة مضطهدة صاعدة تعلن ثورتها ضد الطبقة المهيمنة.
ومن جهة أخرى، يذهب "ماكس ﭭـيبر" (Max Weber) إلى أن كل فعل موجه أخلاقيا يقوم على مبدإ أساسي، يكون إما مبدأ اقتناع وإما مبدأ مسؤولية، وهما مبدآن مُتباينان ومتعارضان. ومن هنا فإن موقف من يتصرف وفق المبدإ الأول يكون خاضعا لـ"أخلاق الاقتناع" كأخلاق تقوم على التوكل والقَدَرِيّة وتأكيد أهمية الإخلاص، وتقود من ثم إلى ربط النتائج بظروف العالم المحيط أو بمشيئة اللـه. وأما موقف من يتصرف تبعا للمبدإ الآخر، فإنه يتميز بتحديد المسؤولية بناء على النقائص البشرية والاستعداد لتحمل النتائج بصورة شخصية وبالخضوع للمحاسبة العمومية في المجتمع. ورغم هذا، فإن قيام الأخلاق على هذين المبدأين لا يؤدي إلى نفي المسؤولية عن "أخلاق الاقتناع"، ولا إلى نفي الاقتناع عن "أخلاق المسؤولية"، وإنما إلى تأكيد الاختلاف في كيفية التصرف وتَحَمُّل المسؤولية عن نتائج الفعل في كل منهما.     
وفي نفس الصدد، نجد أن "جون راولز" (1921-2002 [John Rawls]) يربط الواجب بالمجتمع من جهة أن هناكـ واجبا للتضامن بين الأجيال. إذ يبدو أن الأجيال اللاحقة تستفيد من عمل الأجيال السابقة دون أن تؤدي الثمن المناسب. ولهذا، فإنه إذا كان على الأجيال اللاحقة أن تستفيد من أعمال الأجيال السابقة، فإنها تصير مُلزَمة بواجب المساهمة في التوفير الذي يضمن نوعا من التراكم يُمَكِّن من حفظ حقوق الأجيال القادمة. وبالتالي فإن المجتمع مُطالَب بترسيخ مؤسسات عادلة تَكْفُل التمتع بالحريات الأساسية وتسمح بقيام المواطنين بواجبهم في التضامن مع الأجيال القادمة من خلال التوفير الذي يُتيحه نظامُ المجتمع كنظام للتعاون المُنصِف بين كل أعضائه.     
- تركيب واستنتاج
إن "الواجب" في تَحددُّه كقوة دافعة إلى الفعل يُحيل إلى المجتمع كسلطة تتجاوز واقعيا وتاريخيا الإرادات الخاصة للأفراد. وفي إحالة الواجب إلى المجتمع، لا يتأكد فقط عُمق الارتباط القائم بينهما، بل يتأكد أيضا أن "الواجب" في مبدئه ومآله خاضع للتوجيه الذي يتحدد حسب الشروط المتعلقة بالمجتمع في فترة معينة. ولهذا فإن "الأخلاق" التي تُقَوِّم "الواجب" لها أساس اجتماعي وموضوعي، خصوصا من جهة الكيفية التي تتحقق بها عمليا في واقع الممارسة الفردية التي لا يكون لها معنى إلا في سياق التفاعل الجماعي كتبادل وتواصل خاضع لشروط الوجود الإنساني في تعددها ونسبيتها، الأمر الذي يفسر ما فيه من ضرورة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
PageRank Actuel Licence Creative Commons
Licence Creative Commons Attribution - Pas d'Utilisation Commerciale - Partage à l'Identique 2.0 France.