المفهوم الثالث: الحقيقة مجزوءة II: المعرفة حصري على أحلى باك .




مجزوءة II: المعرفة
 المفهوم الثالث: الحقيقة

* تقديم مفهوم الحقيقة
تُعَدُّ "الحقيقة" أحد المواضيع البديهية بالنسبة إلى معظم الناس، مما يجعلها موضوعا شائعا للتداول بينهم، بل هي أيضا مطلبٌ عامّ ومُهِمٌّ بالنسبة لكثير منهم. وتتعلق الحقيقة بالإنسان من حيث هو كائن فاعل يدخل في أنشطة معرفية وتواصلية بصدد "الواقع"، وهو الأمر الذي يطرح القيمة الفعلية لما يُنتَج من أفكار وأقوال من خلال تلكـ الأنشطة التي تَهُمُّ تحويل وتغيير العالم الخارجي كوسط للحياة البشرية، وفي ارتباط به العالم الداخلي للإنسان. وفي المدى الذي تُعتبر المعرفة مجالا لبناء وسائل التمكين للفعل الإنساني، فإن "الحقيقة" تُشكِّل إحدى المشكلات الكبرى التي كانت ولا تزال تشغل الفكر الإنساني.   
* الوضعية-المشكلة
تُشير "الحقيقة" إما إلى "الواقع" وإما إلى "العقل" باعتباره "المرجع" في الحكم على صدق أو صحة أو صواب أفكارنا وأقوالنا. فهل تُعَدُّ الحقيقة شيئا واقعيا قائما خارج الذات العارفة أم شيئا عقليا يُميِّز أحكامنا في تعلُّقها بـ"الواقع" كموضوع لها؟ كيف يتحدد "الرأي" في علاقته بـ"الحقيقة"؟ هل "الرأي" مجرد ظن شائع و"الحقيقة" يقين ثابت؟ كيف يُمكن التمييز بين "الحقيقة" و"اللاحقيقة"؟ وما هي المعايير التي تُمكِّن من ذلك؟ هل هي معايير "ذاتية" تُميِّز الشيء في علاقته بنفسه أم أنها موضوعية تُحَدِّد الحكم المعرفي في إحالته إلى الموضوعات الخارجية؟ وهل هي معايير "منطقية" تتسم بصفة الكليّة والإطلاق أم أنها "مادية" ذات طابع جزئي ونسبي؟ وما قيمة "الحقيقة" في حياة الناس؟ هل تكتسي "الحقيقة" أهمية تجعلها إحدى القيم الأساسية أم أنها ليست سوى قيمة ثانوية بالنسبة إلى "الحياة" كسيرورة واقعية؟ وهل تُعتبر "الحقيقة" غاية في ذاتها أم أنها وسيلة في خدمة حاجات الحياة الإنسانية؟
1- الرأي والحقيقة
* تحديد الإطار الإشكالي: ما علاقة "الحقيقة" من حيث هي "يقين" بـ"الرأي" بما هو "ظن"؟ هل "الحقيقة" مُعطى شائع أم بناء خاص ومتميز عن "الحس المشترك" و"المعرفة العفوية"؟
* مفاصل المعالجة
هناكـ مقابلة شائعة منذ القديم تجعل "الحقيقة" (la vérité) تتميز عن "الرأي" (l’opinion). ونجد أن "أفلاطون" كان من أوائل الذين قابلوا بين "الحقيقة" و"الرأي"، إذ كان يعتبر "الرأي" (doxa) مجرد ظن أو تخمين مرتبط بالإدراكات الحسية لدى الإنسان العادي، في حين أن "الحقيقة" تتحدد كـ"معرفة" أو "علم" (épistêmé) يستند إلى التأمل العقلي الذي يَنْصَبُّ على إدراكـ "المُثُل" كصُوَرٍ نموذجية للأشياء تُعَدُّ كاملة وكلية ومطلقة وخالدة. ويذهب "ديكارت" (1596-1650 [René Descartes]) إلى أننا نكتسب معارف كثيرة في الصِّغَر ولَمَّا نمتلكـ بعدُ قدرة الوعي الكاملة، وهي معارف تستند بالأساس إلى مُدركَات الحواس التي تخدعنا ولا يمكن الثقة بها مطلقا. ولهذا يجب أن نعمل على إعادة النظر فيها بصفتها جملة من الآراء المُسبقة أو الأحكام المرسلة (des préjugés)، وذلكـ بممارسة نوع من "الشكـ المنهجي" الذي يتوخى بناء معرفة حقيقية، مما يُؤدي إلى الإمساكـ بأول يقين في "الكوجيطو" ("أفكر، إذًا أنا موجود") كحدس يتَّصف بالبداهة والوضوح، ممّا يجعله نموذجا للحقيقة بما هي معرفة مُباشرة، أولية ومتميزة.
ويذهب "إيمانويل كانط" (1724-1804 [Immanuel Kant]) إلى أن "الاعتقاد" كقيمة ذاتية للحكم له ثلاث درجات: "الرأي" و"الإيمان" و"المعرفة". فـ"الرأي" اعتقاد يُدركـ أنه غير كافٍ لا ذاتيا ولا موضوعيا، في حين أن "الإيمان" اعتقاد كافٍ ذاتيا وليس موضوعيا، أما "المعرفة" فهي ذاتُ كفايةٍ ذاتية وموضوعية. وتُسمى الكفايةُ الذاتيةُ "اقتناعا" (من طرفي أنا وحدي)، بينما تُسمّى الكفايةُ الموضوعيةُ "يقينا" (بالنسبة لكل واحد). ومن هنا، من السُّخْف تكوين آراء في المعرفة الرياضية أو الأخلاقية التي تقوم على "اليقين".   
ومن زاوية أخرى، يؤكد "ﮔـاستون باشلار" (1884-1962 [Gaston Bachelard]) أن العلم لا يبتدئ بـ"حقائق أُولى" أو "مبادئ أولية وبديهية" كما كان يظن "ديكارت"، بل يُوجد في أصل كل معرفة علمية خطأٌ معرفيٌّ يجب تصحيحه. فـ"الرأي" تفكيرٌ خاطئ، بل إن «الرأي لا يُفكر»، فهو استجابة لإلحاح الحاجات العملية في بحثها عن المنفعة المباشرة، مما يجعله "معرفة عفوية" تَعُوقُ اكتشاف "الحقيقة"، وبالتالي فلا بد من نبذه والانفصال عنه بواسطة "قطيعة معرفية" تُمَكِّنُ من بناء موضوع المعرفة وَفْق مقتضيات التفكير النظري المجرد عن كل الأغراض غير العلمية. وهكذا، فإن العلم لا يقوم على ما هو مُعطى وشائع، بل أساسه بناء منهجي يَطَّرِح المُسبقات و"الفِكَر الشائعة" التي هي مُستنَد "الرأي" كحس مشترك أساسه ما هو مألوف وما يبدو مفيدا في الحياة العادية.
* تركيب واستنتاج
في معظم الأحيان يتخذ الإنسان العادي من مُدركاته ومألوفاته أساسا لنوع من "الرأي" يعتقد صحته وصوابه. لكن "الرأي" ليس، في الواقع، سوى "ظن" لا يرقى إلى درجة "المعرفة" التي يُمكن الوثوق بها على نحو موضوعي ويقيني، من حيث إنه لا يُبنى بعيدا عن متطلبات الحاجات العملية المباشرة ولا يخضع لمقتضيات التفكير النظري والمنهجي الذي يُمكِّن من تجاوُز الأحكام المُرسلة والمسبقة في عفويتها وتحيُّزها.
2- معايير الحقيقة
* تحديد الإطار الإشكالي: ما معيار "الحقيقة"؟ هل هو معيار واحد أم معايير متعددة؟ كيف يمكن التمييز بين "الحقيقة" و"اللاحقيقة"؟ هل بالاستناد إلى معايير مادية وموضوعية أم معايير صُورِيَّة وذاتية؟ وهل هي معايير كلية ومطلقة أم أنها جزئية ونسبية؟
* مفاصل المعالجة
في الغالب، تُميَّز "الحقيقة" عن أضدادها ("الخطأ"، "الكذب"، "الوهم") بالاستناد إلى معايير محددة. ونجد أن "ديكارت" يرى أن كون "الحقيقة" بداهةً ووضوحًا يجعل معيارها في ذاتها، أي أنها تتميز بالوضوح الذاتي الذي يفصلها عن كل ما يُمكن الشكـ فيه، مما هو مَبْنِيّ على مُعطيات الحس الخارجية التي لا يمكن الوثوق بها. غير أن "ليبنتس" (1646-1716 [Leibniz]) يُلاحظ أن القول بالأفكار الواضحة والمتميزة ليس معيارا كافيا، إذ لا بد من تحديد مُؤشرات لصفتي "واضحة" و"متميزة"، وبالتالي فإن حقيقة الأفكار تستند إلى "البُرهان"، حيث يجب ألا يُقبَل من الأفكار إلا ما بُرهِن عليه بشكل سليم، فصار خاليًا من التناقض على مستوى "الصورة" وخاضعا للضرورة العقلية المُوجبة لِلُّزوم على مستوى "المادة". ومن هنا، فإن "ديفيد هيوم" (1711-1776 [David Hume]) يؤكد أن "الحقيقة" نوعان: صورية ومادية، الأولى معيارها الخُلُوّ من التناقض بين الأفكار (كما في المنطق والرياضيات)، والثانية معيارها مُوافقة الأحكام لموضوعاتها الخارجية. وعلى هذا الأساس، يرى "كنط" (1724-1804[Immanuel Kant]) أن مشكلة معيار الحقيقة تقود إلى التمييز بين الجانب "المادي/الموضوعي" و"الجانب الصوري/الذاتي" في المعرفة، وبالتالي التساؤل عن طبيعة معيار "الحقيقة": هل هو معيارٌ كُلِّيٌّ ومادي أم أنه معيار كُلِّي وصوري؟ وينتهي "كنط" إلى تأكيد أن "الحقيقة" ليس لها معيار مادي وكلي، لأن ما هو مادي يتصل بموضوع خاص، ممّا يُوجِب الاتفاق بين المعرفة وموضوعها، في حين أنه عندما يتعلق الأمر بالحقيقة الصورية، فهناكـ بالفعل معايير كلية ومطلقة لأن هذا النوع من المعرفة تكون فيه المطابقة بين الشيء وذاته، أي أن العلاقة داخليّة تقوم على المعايير المنطقية للفهم والعقل.     
لكن "مارتان هيدﮔـر" (1889-1976 [Martin Heidegger]) يرى أن ماهية "الحقيقة" لا تقوم على مبدإ المُطابقة بين "العقل" و"الشيء" كما يُؤكد التقليد الميتافيزيقي في الفلسفة الغربية، فذات الإنسان ليست هي مصدر أو مرجع "الحقيقة"، بل "الحقيقة" كشفٌ وانكشاف (alétheia-dévoilement) للوجود الذي يُصدِر نداءً عبر الكلام المُنْشَإ في اللغات الفلسفية الكبرى والذي يُفيد تركـ الوجود ينكشف. ومن هنا فإن معيار "الحقيقة" لا يتمثل في المطابقة وإنما يتمثل في الانطلاق والانفتاح نحو الحرية، أي تركـ حركة الوجود في عفويتها وتلقائيتها تُمارس عمل الانكشاف والانحجاب كما يتجسد ذلك في وجود الإنسان ككائن مُنفتِح على الوجود الكلي، أي بما هو "دازاين" (Dasein).  
* تركيب واستنتاج
تُميَّز "الحقيقة" عن أضدادها إما باعتبارها قيمةً صورية وذاتية قائمة على المطابقة الذاتية (عدم التناقض) وإما بوصفها قيمةً مادية وموضوعية تُحدِّد المعرفة في علاقتها بالأشياء الخارجية (المُطابقة). لكن هناكـ من ينظر إلى "الحقيقة" كعلاقة بين الإنسان وحركة الوجود العام، ومعيارها الانفتاح على إمكانات الحرية التي تنكشف من خلال الاستماع لنداء الوجود. وفي جميع الأحوال، فإن معايير الحقيقة تُعَدُّ من بين الأسئلة التي تكشف عن انفتاح واستمرار إشكال مفهوم "الحقيقة" ذاته في علاقته بالمسيرة التاريخية والاجتماعية للإنسان ككائن معرفي.    
3- الحقيقة بوصفها قيمة
* تحديد الإطار الإشكالي: كيف تتحدد "الحقيقة" بصفتها "قيمة"؟ هل هي غاية في ذاتها أم أنها وسيلة لبلوغ شيء آخر؟ هل تتحدد قيمتها على نحو نظري مجرد أم على نحو عملي وأخلاقي؟
* مفاصل المعالجة
يُنظَر إلى "الحقيقة" كنوع من الخير الذي يرغب فيه كل الناس. فكل امرئ يدَّعي أنه صادق ومُحِقٌّ فيما يقول ويفعل حتى حينما يكون كاذبا أو على باطل. فالحقيقة مطلبٌ لكل الناس، ممّا يجعلها تبدو كنوع من "الغريزة". ونجد أن "فريدريكـ نيتشه" (1840-1900 [Friedrich Nietzsche]) يتساءل عن أصل هذه الغريزة: من أين تأتي غريزة "الحقيقة"؟ وهل هناكـ رغبة غريزية في "الحقيقة" تُميِّز الإنسان؟ إن الفرد في نظر "نيتشه" يعمل أساسا على حفظ حياته من كل التهديدات التي يتسبب فيها الآخرون. فلا شيء أهم في نظر الإنسان من استمراره في الوجود، ممّا يجعله يبحث عن كل الوسائل التي تضمن بقاءه، وهذا ما يُؤدي إلى تسويغ الكذب والخداع والنفاق وكل ما يُضادُّ "الحقيقة". فكل شيء في حياة الإنسان يدور حول غريزة الحياة ويقود، بالتالي، إلى الانصراف عن كل ما هو ضَارٌّ لِسَيْر الحياة ومُناقِض له. ومن هنا فإن"الحقيقة" مجموعة من الأوهام التي ثَبَت تاريخيا نفعُها للحياة الاجتماعية، بل إن "الحقيقة" في حَدِّ ذاتها مُؤذِيَةٌ وقاتلة، وإنها أولَ ما تقتل، تقتل نفسها حينما تكتشف أن أساسها ليس سوى الخطإ والوهم المرتبط باللغة التي ليست سوى سلسلة لامتناهية من المجازات والاستعارات والتي لا يمكنها، من ثم، أن تُعبِّر مطلقا عن "ماهيات" أو "جواهر" الأشياء.       
وفي نفس السياق، يذهب "وليم جيمس" (1842-1910 [William James]) ضمن "فلسفة العمل/الممارسة" (Le pragmatisme) إلى أن "الحقيقة"، كخاصية للأفكار في مطابقتها للواقع، ليست نُسخةً مطابِقة للأصل الواقعي أو خاصيةً ثابتة مُلازِمة للأفكار، وإنما هي "حدث" و"صيرورة". فـ«الحقيقة شيءٌ يَحْدُث للفكرة من حيث إنها تصير حقيقية، أي أن الأحداث هي التي تجعل الفكرة حقيقية». وبالتالي، فإن حقيقة فكرة ما تُعَدُّ حدثا يتمثل في سيرورة تحقُّقِها أو تَثَبُّتها من نفسها، إن صلاحيتها مرتبطةٌ بفعل إثبات صدقها وصوابها. وهكذا فـ"الحقيقي" إنما هو "المُفيد" و"النافع" عمليّا، أي من حيث كونُه سببا في النجاح العملي ومن جهة قدرته على توجيهنا وقيادتنا بشكل كافٍ وناجع في الحياة. ولهذا فإن امتلاكـ "أفكار حقيقية" معناه امتلاكـ أدوات ناجعة للعمل، وإذا كانت "الحقيقة" تفرض نفسها كواجب، فليس بفعل قوة ما، حتى لو كانت قوة العقل نفسه، وإنما لأن هناكـ مُبرِّرات عملية قوية تجعل القيمة العملية للأفكار مبنية على المنفعة الفعليّة التي تكتسيها في نظرنا مواضيعها.             
* تركيب واستنتاج
في الوقت الذي يَغْلِب تحديد "الحقيقة" كقيمة في ذاتها أو كخاصية مُلازمة للفكر الإنساني (في تَعالِيه على الواقع التاريخي والاجتماعي للإنسان الذي يَتَّسم بالتغيّر الدائم والتناقض العميق)، يذهب بعض المفكرين والفلاسفة إلى أن "الحقيقة" لا تكتسي صفة "القيمة" إلا في ارتباطها بالممارسة العملية، حيث إنها كأخلاق إنجازية مرتبطة بالتاريخ والسياسة، مما يُؤكِّد نسبيتها وتحيُّزها. ومن هنا، فإن النظر إلى "الحقيقة" كبِناء عقلي كُلِّي (universel) له شروط تاريخية واجتماعية هي التي تجعله مُمكنًا وتتحكم في إنتاجه وتداوُله.
* خلاصة عامة للمفهوم
ترتبط "الحقيقة" بعدد من الأسئلة الإشكالية التي تدور حول إدراكاتنا وأفعالنا في تعلُّقها بـ"الواقع" كما يتجسد، لا فقط في الأشياء الخارجية، وإنما أيضا في الأحداث التي تُشَكِّلُ "اللغة" و"العقل" و"التاريخ" من حيث هي جِمَاعُ التجربة الإنسانية كتجربة جَماعية وموضوعية لا يمكن قيام الفعل الإنساني إلا من خلالها. ومن هنا، فإن تناول "الحقيقة" يقود إلى تَبَيُّن إمكانات المعرفة الإنسانية وحدودها ضمن مجموع الشروط التي تُحَدِّدُ الفاعلية البشرية المتعلقة بإدراك العالم وتحويله، وذلك على النحو الذي يكشف عن كون "المعرفة" تُمثِّل سيرورةً تستدعي تجاوز بادئ الرأي في وُضوحه البديهي وعفويته الجارفة من أجل التساؤل عن مقتضيات البناء المنهجي للعمل المعرفي كطلب ضروري للحقيقة وكأُفق مُستمر لها. ومن ثم، يأتي التفكير في الإجراءات المُمكِّنة من تمييز ما هو حقيقي عن غيره ومن تحديد أهمية الفعل الإنساني المتعلق بـ"الحقيقة" بما هي قيمة في إطار الحياة الأخلاقية والسياسية والاقتصادية كجُملة من الأنشطة التي تتركّز على ما هو مُفيد ونافع في السعي الفعلي نحو النجاح والقوة، الأمر الذي يجعل "الحقيقة" رهانًا للحياة البشرية بكاملها، رهانًا يُؤدي إلى وضعها في بُؤرة التنازُع كـ"إرادة للقوة".

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
PageRank Actuel Licence Creative Commons
Licence Creative Commons Attribution - Pas d'Utilisation Commerciale - Partage à l'Identique 2.0 France.